الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: رغــم كــلّ الخنـاجر تونس مازالت تتنفس!

نشر في  19 أفريل 2017  (12:03)

مع التغيير كنّا ننتظر ونتحدّث ونعمل من أجل قضاء مستقلّ عن كلّ الأحزاب وإعلام حر ومسؤول وتنمية في الولايات التي كانت مقصاة ونمو اقتصاد برقمين وثقافة مزدهرة لكن عشنا كابوسا وخيبة أمل لم يكن يتصوّرها أي ديمقراطي بل ولا اي انسان واع ولا أيّ وطني غيور على بلاده ولا أيّة امرأة متأسّسة سياسيا أو اجتماعيّا!
في الماضي كان النظام يخدم العائلات المالكة حيث تتدخّل السلطة والرئاسة لإجبار المستثمرين على قبول «أفراد من العائلة» كشركاء في المشرورع أو لتوفير الظروف القانونية  للاستحواذ على أراضي الدولة أو شراء مؤسسات بأسعار بخسة،  وكل ذلك بعد تهديد رجال الأعمال وترويعهم، إضافة الى قمع المعارضين السياسيين الجديين (انظر كيف وقع الاستحواذ على مشروع كارفور أو«البيات» أو «نوفل آر» أو «راديو شمس» أو اجزاء من اتصالات تونس او شركة النقل او كارطاقو او مارينا قمرت او شراء دار الصباح او شركة فورد او صفقات شراء الطائرات والبواخر والأسلحة ومئات المشاريع الأخرى) حيث كانت منظومة حكومية في خدمة عائلات متسلّطة حتى أصبح جزء من الاقتصاد التونسي على ملك بعض العائلات لكن في الوقت نفسه كانت الشوارع نظيفة والأمن مستتبّا والارهاب مقهورا وأسعار الموادّ الأساسيّة مقبولة والإدارة منضبطة وإن كانت منحازة والسياسة الخارجية متّزنة ومعتدلة ورصينة وهيبة الدولة ثابتة...

لكن ماذا حدث بعد تغيير النظام؟ انفلات عام يهدّد الدولة في كلّ لحظة لأن كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة لم تتحلّ بالشّجاعة وقدّمت مصلحة الأحزاب على مصلحة الوطن فأصبحت الدولة في خدمة الأحزاب ومن يسيّرون الأحزاب وهي بعيدة كل البعد عن مصالح الطبقات الوسطى والمثقّفين.. وفي ظلّ توظيف الدولة لفائدة أحزاب الترويكا انتشرت ثقافة العنف والتشدّد ثمّ الارهاب وعمت المطلبية المفرطة واستشرى عدم الاستقرار والتهبت الأسعار وتفشى الفساد والتجارة الموازية واصبحت المحسوبية والانتماء الحزبي مفتاح التشغيل والنّجاح وتكوّنت ثروات وانكمش الاستثمار ووقع ترهيب المثقّفين ورغم ذلك ظلّت الدولة تتنفّس.. ثم صعد الباجي قايد السبسي وحزبه نداء تونس الى كرسي السلطة وتحالفا خاصة مع حزب النهضة لكن الأمور لم تتغيّر كثيرا بل ان حالة البلاد باتت اسوأ. لقد خدع حزب النداء ورئيسه ناخبيهما، فقد صرّحا قبل الانتخابات انّ برنامجهما لا يلتقي مع حزب النهضة «فهما خطان متوازيان» لكن الغنّوشي وحزبه ابتلعا النداء الذي اصبح حزبا شبحا لا برنامج له ولا شعبية تسنده.. انقسم الحزب واصبح ابن الرئيس يعيّن وزراء وولاة بلا قدرة على تغيير الأشياء في حين ما انفكّ حزب النهضة يبرهن على امتلاك مناضلين منضبطين قادرين على تحريك أجزاء من الشارع حتى ضدّ الحكومة مثلما جد في القيروان والكاف وتطاوين وغيرها من الولايات! ثم في استعراض للعضلات صرّح بعض قادة النهضة انهم قادرون على اسقاط النظام اذا قررت الحكومة البحث في موضوع تسفير الشّباب التونسي لبؤر التوتّر وخاصّة سوريا لأنّ بحوزة هذا الحزب «عددا من الملفات الهامة».. واذا كان من حق حزب النهضة الدّفاع عن خياراته ومصالحه فما يثير الدهشة هو ألاّ يصدر أيّ ردّ فعل عن  قيادات حزب النداء الذين يتخبّطون في مشاكل خانقة وتفتقر أقلية منهم ونعني «أصدقاء» كبار تجّار الحدود لأي شعور بالمسؤولية.. وفي الآن نفسه نشاهد حزب التحرير يواصل مشروعه الرامي لتأسيس دولة الخلافة وفي الأثناء فانّ بعض سكان عدّة مدن يتظاهرون والحكومة فاقدة  لكلّ تصور لتنمية عادلة تنبثق من الولايات المهمّشة ويدها على قلبها كلما تحرّك الشارع فتحاول ردّ الفعل وقلما تراها تبادر وتتصور نموذجا عادلا للتنمية..

في هذا المناخ السلبيّ الذي يتسم بإشهار  الخناجر وبينما يدفع الأمنيون والجنود الشرفاء حياتهم دفاعا عن الوطن فإنّ أغلب الطبقة السياسية غير واعية بالتهديدات الرامية الى بثّ الفوضى واليأس والضبابية في قلب هذا الشعب الطيّب الذي فقد الأمل في سياسيين ليست لهم أيّ رؤية مستقبليّة لتونس طالما أنّهم يخدمون مصالح الأحزاب والأشخاص أو يحلمون بأسلمة شعب مسلم بطريقة هوموياتيكية homéopatique بعد فشل مشروع الأسلمة بالقوّة.
أعرف جيّدا انّ هذا التحليل سيثير غضب محترفي الشّتم في الفايسبوك لكنّي لن أعيرهم أيّ اهتمام وسأستمرّ في الدّفاع عن بلادي وبلاد أجدادي وأولادي وأحفادي غير عابئ بشتائم المرتزقة...